كان في قديم الزمان ولد يتيم اسمه حمو أونامير ذو جمال باهر. وكان يعيش مع أمه التي ربته أحسن تربية وأدخلته إلى الكتاب ليتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القرآن. وعندما أصبح أونامير شابا يافعا صار أجمل من في القرية. يحبه الجميع ويعجبون بحسنه وبهائه.
وذات يوم استيقظ باكرا كعادته فوجد كفيه مزخرفتين بالحناء. وعندما ذهب إلى الكتاب وبخه الفقيه وأمر بضربه حتى لا يضع حناء في يديه مرة أخرى.
وفي الغد وجد أونامير يديه مرة أخرى مزخرفتين بالحناء فضربه الفقيه من جديد، وتكرر ذلك عدة أيام حتى أدرك الفقيه أن أونامير مظلوم فقال له: "لا تنم هذه الليلة حتى تعرف من يضع الحناء في يديك."
لم ينم أونامير تلك الليلة وانتظر طويلا وهو يتظاهر بالنوم وإذا به يرى صفا من الحوريات يدخلن من النافذة ويحطن به ويشرعن في وضع الحناء في يديه، وهو يتعجب من حسنهن وجمالهن. ثم خرجن الواحدة تلو الأخرى واختفين في الظلام قبل انبلاج الصبح.
ذهب أونامير إلى الفقيه وحكى له كل ما رأى. فقال له:"هذه المرة خذ معك خيطا وإبرة وخط ملابس الحوريات مع ملابسك، وعندما يردن الانصراف أطلق سراحهن الواحدة تلو الأخرى حتى يأتي دور الأخيرة منهن فإن طلبت منك إطلاق سراحها فقل لها بأنك تريد أن تتزوجها."
أحضر أونامير الخيط والإبرة، وتظاهر بالنوم. وعندما جاءت الحوريات قام بخياطة ملابسهن مع ملابسه. ولما أردن الانصراف لم يستطعن ذلك فتصايحن:"نتوسل إليك يا أونامير أن تطلق سراحنا لنلحق بأهلنا في السماء السابعة قبل الصباح."
فأطلقهن أونامير الواحدة تلو الأخرى واحتفظ بالأخيرة وقال لها:"ستصبحين زوجتي." فأجابته الحورية:"دعني أذهب إلى أهلي في السماء فإنك لن تستطيع الوفاء بوعودك لي." فأجابها أونامير:"سأفي بكل وعودي." فقالت الحورية:"أريد منك منزلا بسبع غرف تغلق بمفتاح واحد، تحتفظ به فلا يراني أحد أبدا."
بنى أونامير منزلا بسبع غرف، الواحدة داخل الأخرى، وأسكن الحورية في الغرفة الأخيرة. وكان يغلق عليها الأبواب السبعة بمفتاح واحد يحتفظ به كي لا يطلع أحد على سره.
وذات يوم طلبت منه الحورية أن يحضر لها لحم الغزال. فخرج إلى الصيد راكبا حصانه بعد أن خبأ المفتاح داخل التبن.
وكانت والدته تسأله دائما عن سر الغرف السبعة فلا يحيبها فمسعت ذلك اليوم وهو يصيح:"وجدت شيئا! وجدت شيئا ! فقالت له:"ماذا وجدت يا ديكي العزيز؟" وجدت مفتاح أونامير الذي يغلق به الغرف السبعة!"
فرحت الأم وأخذت المفتاح وفتحت أبواب الغرف واحدا واحدا حتى وصلت إلى الغرفة الأخيرة، فوجدت الحورية جالسة تمشط شعرها الأسود الطويل وقد أضاء المكان بجمالها. فبدأت توبخها وشتمها وتقول لها:"ماذا تفعلين هنا؟ اذهبي من أتيت!" ثم أغلقت عليها الأبواب وأرجعت المفتاح إلى مكانه.
عاد أونامير من الصيد ودخل على الحورية فوجدها تبكي وقد ابتلت الأرض من دموعها. فسألها عن سبب بكائها فقالت:"لم تف بوعدك لي، واطلع غيرك على سرك." ثم طلبت منه أن يفتح لها النافذة حتى تستنشق بعض الهواء. فتألم لحزنها وفتح لها النافذة فطارت منها وانطلقت نحو السماء قائلة:"وداعا يا أونامير، إذا أردت أن تراني مرة أخرى فالحق بي في السماء السابعة!"
مرت الأيام وأونامير لا يأكل ولا يشرب ولا ينام. وذات يوم قرر أن يبحث عن طريقة يتمكن بها من الصعود إلى السماء. فأخذ حصانه وودع والدته وانطلق مسافرا من بلاد إلى بلاد حتى التقى برجل عجوز أخبره بأن الطريقة الوحيدة للوصول إلى السماء السابعة هي أن يحمله النسر العظيم الموجود يف الجبل الأخضر..
انطلق أونامير نحو الجبل الأخضر سنوات حتى وصل إليه فنادى على النسر العظيم وحكى له قصته، فقال له النسر:"قصتك محزنة جدا، ولكنك وجدتني نشرا عجوزا متعبا وقد تساقط ريشي فإن شئت أن أحملك إلى السماء السابعة، فاذبح حصانك وأطعمني من لحمه حتى تستعيد أجنحتي قدرتها على الطيران والتحليق!"
لم يستطع أونامير أن يذبح صديقه الحصان الذي رافقه في رحلته الطويلة فقال له الحصان:"إذا كنت سأضع حدا لعذابك فاذبحني حتى تلحق بحوريتك في السماء السابعة."
ذبح أونامبر حصانه وهو يبكي وأطعم النسر منه حتى عادت إليه قوته ونبت ريشه، وادخر سبع قطع من اللحم لكي يطعمه إياها أثناء الرحلة.
حمل النسر أونامير على ظهره وأمره بألا يتكلم، وانطلق به نحو السماء السابعة. وكلما وصل إلى إحدى السماوات أطعمه أونامير قطعة من اللحم حتى اقترب من السماء الأخيرة فسقطت قطعة اللحم الأخيرة من يد أونامير، وبدأ النسر يضعف عن الطيران، فلم يجد أونامير بدا من أن يقتطع من جسده قطعة لحم أطعمها للنسر حتى أوصله إلى السماء السابعة.
جلس أونامير عند هين ماء وهو ينظر إلى الأشجار ذات الأوراق العجيبة والثمار المدشهة إلى أن شاهد حورية عند النبع فقال لها:"أتوسل إليك أيتها الحورية أن تدليني على مكان وجود حوريتي أنا حمو أونامير القادم من الأرض." قادته الحورية إلى المكان الذي يريد حيث وجد حوريته وفرح فرحا عظيما ونسي كل ما جرى له على الأرض. أطلعت الحورية حمو أونامير على كل ما يوجد في قصرها إلى أن وصلت إلى حجر موضوع على فوهة صغيرة وقال له:"لا تحرك هذا الحجر أبدا."
مرت الأيام تلو الأخرى واشتاق أونامير إلى والدته ولم يصبر على فراقها، فرفع الحجر وأطل من الثقب على الأرض فشاهد والدته وحيدة وقد عميت من فرط البكاء عليه، وهي تمسك خروفا وتقول:"لو كان ولدي حمو أونامير حاضرا لذبح لي بيده أضحية العيد." فنسي أونامير نصيحة الحورية وصاح قائلا:"ها أنذا يا أمي عائد إليك، فلا تحزني بعد اليوم!" وألقى بنفسه من الثقب إلى الأرض فمزقته الرياح وتساقَط قطرات من الدم، سقطت إحداها على عنق الخروف فذبحته، وسقطت أخرى على عيني الأم فعاد إليها بصرها."