إذا كانت قبائل أيت عطا بجل أخماسها الخمسة، تجمعها قواسم مشتركة في حياتها العامة، فإننا نجد تباينات واختلافات طفيفة في عاداتها وتقاليدها وكذا لباسها وحتى في لغتها المحلية ،وهذا الاختلاف ما هو إلا مرآة لغنى الثقافة العطاوية، وهنا سأحاول أن اسرد مميزات العرس "تمغرا" كما تسمى محليا عند قبائل الخمس الأول وخاصة فرع ايت اونير النقوب منه.
يعتبر العرس من التقاليد والعادات العامة الأكثر اعتمادا في كل الشعوب والأمم، وقد نعرفه بمجموعة من أشكال الاحتفال والطقوس الممارسة اثناء كل حفل زفاف، وهو بالتالي جسر يفصل بين مرحلتين مهمتين وأساسيتين في حياة الفرد: مرحلة العزوبة واللامبالاة وعدم تحمل المسؤولية وكذا البراءة ، ومرحلة تنقلب فيها المفاهيم ، حيث يصبح الإنسان مسؤولا عن نفسه ، وأسرته، وكذا مجتمعه بشكل عام.
وإذا كان الاحتفال بهذا الحدث الاجتماعي المهم، يختلف من مجتمع إلى أخر ومن قبيلة إلى أخرى ، فان طريقة الاحتفال به عند ايت اونير ، له مميزات خاصة منبثقة من العرف العطاوي بشكل عام ، إلا انه للأسف الشديد أصبحنا نلاحظ في السنوات الأخيرة طقوس وعادات غريبة عن مجتمعنا التقليدي نتيجة التأثير والتقليد بخلفيات الحضارة العربية والغربية ،وقبل أن أتطرق إلى هذه التغييرات الدخيلة على العرس المحلي سأبرز الأشواط التي يقطعها العرس عند هذه القبائل من بدايته حتى نهايته ويمكن حصرها في:
- الخطوبة (توترا).
- اسقيمو.
- تناكا.
- تيسي".
- امسيفاض.
- تردا.
أولا: الخطوبة(توترا):عرفت مدونة الأسرة الخطوبة بأنها تواعد رجل وامرأة على الزواج،وتختلف طقوسها وطرق التعبير عنها وكذا تبادل الهدايا فيها ، من قبيلة الى أخرى بتباين عاداتها وأعرافها.
فعند أيت اونير تبتدئ الخطوبة كخطوة تمهيدية للزواج ، باختيار الخاطب لخطيبته التي يريدها أن تكون شريكة حياته، فيعرض رأيه على أبويه الذين يبديان رأيهما في المعنية بالأمر وكذا في عائلتها، وغالبا ما نلاحظ اختلاف الأبوين معا في رأيهما خاصة اذا كانت المقترحة من عائلة احدهما ، وعندما يتفق الجميع على الاقتراح يبعث الخاطب احد أهله او أصحابه خاصة الأم لإيصال الخبر إلى أهل المخطوبة ، الذين بدورهم يناقشون العرض كل واحد برأيه إلى أن يتم الجواب بالرفض أو القبول.
وفي حالة الإيجاب تنطلق الطقوس حيث تذهب عائلة الشاب بشيء من الهدايا "تسمغورت" تختلف قيمتها حسب الوضعية المادية ، وغالبا ما تكون من السكر واللحم والملابس وبعض لوازم التزيين وفاكهة اللوز ، هذا الأخير تفرقه أسرة الفتاة على اسر القبيلة إعلانا للرأي العام عن خطبة فتاتهم وهذا شرف لهم من جهة ولإلغاء الطلبات التي قد تأتي من جهة أخرى.
وما يمكن تسجليه هنا ،ان العدول عن الخطبة عند قبائل ايت اونير مستبعد إلا في حالة ظروف قاهرة، أولا لقيمة الوعد عندهم من جهة ومن جهة خوفا من عواقب عدم الوفاء بالعهد أو ما يسمى محليا ب "اموتل".
ثانيا:"اسقيمو": وهو اليوم الأول من العرس ، ويوم تزيين العروس والعريس ،ويكون الاحتفال الرسمي بهذا الحدث بإرسال العريس نوابا له أو ممثلوه ويسمون ب"اسناين" وعددهم أربعة ، إلى أهل العروس مصحوبين بحقيبة تتضمن ملابس العروس وجميع أدوات التزيين الأخرى. وكلمة "اسناي" هذه مشتقة من فعل "أسني"أي اركب اذ أنهم هم الذين يتكلفون بمهمة ركوب العروس وإيصالها إلى بيت الزوجية في اليوم الثاني، كما يتولون مهمة تسيير العرس بشكل جيد.
إن ليلة هذا اليوم تتميز بتزيين العريسين كما قلت ، كل واحد في منزله وذلك بمواد وملابس ومجوهرات محلية خاصة بالعرس،فالعروس يتم تزيينها من طرف امرأة تتقن فن التزيين شريطة أن تكون من أهلها كالخالة أو العمة مثلا. والتزيين هنا يواكبه أهازيج محلية امازيغية "هيرو" ترددها النساء فيما بينهن ، والتزيين يسمى محليا ب"اغمان". حيث نقول" تغمى تسليت " أي تزينت بلباس العرس . وعندما تتم طقوس التزيين يعم الاحتفال حيث يلتقي الجميع في مكان إلقاء الشعر المحلي "احيدوس" حيث يتنافس الشعراء والفرق على إلقاء قصائدهم في شتى الأشكال من مدح وهجا ء ورثاء…..إلى أن تشرق شمس اليوم الثاني حيث يتناول الجميع وجبة الفطور والاستعداد للرحيل إلى بيت العريس.
ثالثا: "تناكا":في صبيحة هذا اليوم وبعد الفطور،ينطلق رحيل العروس في موكب من الرجال والنساء حيث تتردد النساء أهازيج مخصصة بهذا الحدث ، تتوسطهم البغلة التي تمتطيها العروس صحبة احد أفراد أهلها خاصة أخيها ، وفي جوانبها نجد امرأتين من أقربائها كل واحدة تأخذ بإحدى قدمي العروس حفاظا على سلامتها. في حيث تسمع أصوات الرجال مرتفعة حيث تعرض جماعة من الرجال يسمون "اقطعن" سبيل الموكب فيعملون على إزعاجهم ومحاولة إرجاعهم وتغيير اتجاههم ، وهذا يعبر عن مدى قيمة العروس التي تعبر عنها اسناين من خلال استماتتهم وقوتهم .
وبعد تناول وجبة الغداء التي غالبا ما تكون متأخرة ، ينتقل الجميع الى ترديد أهازيج أخرى بالمناسبة تسمى "ازنزي" تكون بين الرجال والنساء حيث يتم هجاء ام العروس التي تبدي قلقها فتضطر إلى الرحيل صحبة العروس ، فيتم إرجاعها بمدحها كذلك.
رابعا :" تيسي": في هذا اليوم تظهر بوادر نهاية العرس ، حيث يتم تزيين العروس مرة اخرى كما يظهر العريس أمام الجميع بعد ان احتجب طيلة الأيام السابقة.
وقبل غروب الشمس بقليل يحتشد الجميع صوب ساقية او منبع عين ، اذ ينطلق الموكب وفي أوله رجال وشباب وأطفال ويتبعهم وفد النساء وفي مقدمتهن نجد العروس التي تحمل إناءا"تناست" أو "تاعمورت" مملوءة باللوز، و بجانبها نساء قريبات لها من أهلها مرددات أهازيج خاصة بهذا اليوم . ويتم الفصل بين الرجال والنساء بقطعة من القصب " اغانيم" احتراما للنساء عامة ووفد العروس خاصة.
وعند وصول الموكب إلى الساقية يردد الرجال قصائد خاصة بمناسبة "تيسي" ،وبمجرد انتهائهم تقوم العروس برمي تلك الكمية من اللوز في الساقية، لما لهذه الفاكهة من قيمة في حياة ايت اونير من جهة ومن جهة ثانية يكون القصد المزيد من المياه في الساقية، كما يملأ الإناء بالماء ويعود الجميع في جو تسوده أهازيج النساء ومحاورات "اسناين" و"اقطاعن"، وبمجرد وصول وفد العروس تقوم هذه الأخيرة برش جميع عتبات المنزل بتلك الكمية من الماء المصحوبة به من الساقية رمزا إلى الخير والبركة . آنذاك يبدأ مرة اخرى "احيدوس " حتى وقت تناول وجبة العشاء ليستمر بعد ذلك إلى وقت متأخر من الليل أو حتى الصباح حسب طاقة الشعراء أو كما يسمون محليا "افراحن" نسبة إلى الفرح.
خامسا: امسيفاط : يعتبر هذا اليوم آخر أيام العرس عند ايت اونير ، حيث تجرى مراسيم الرحيل بعد وجبة الغداء اذ يتم تزيين العروس باللباس الأخير ويكشف وجهها بعد ان تم ستره منذ اليوم الأول أي "اسقيمو" . وفي الختام يتبادل الجميع التهاني وعبارات الوداع خاصة بين أهل العروس والعريس ويتم الدعاء بالتوفيق والهناء والسعادة إلى الزوجين .
أتمنى في الأخير أن أكون قد لمحت ولو بشكل بسيط إلى الطقوس والعادات المهمة المتميزة بالعرس عند ايت اونير سابقا لان حاليا وفي السنوات الأخيرة أصبحت هذه العادات كما سبق أن أشرت إلى ذلك تضمحل وبشكل سريع – وهذا هذا يؤسفني شخصيا – وذلك بدخول عادات غريبة تماما عن تقاليدنا الأصيلة وسأحاول بشكل سريع ان اسرد بعض هذه التغييرات الدخيلة على العرس المحلي: