معتقدات الامازيغ هي التصورات الميثية والاسطورية التي نسجها الامازيغ، وذلك ايمانا منهم بوجود قوى عليا تحرك العالم وتحكمه، وكأي شعب سعى الأمازيغ للبحث عن هذه القوى والتقرب منها. لم يؤمن الأمازيغ بآلهة أمازيغية فقط، وانما تأثروا بمعتقدات جيرانهم المصريين كما تأثروا بالمعتقدات الفينيقية والاغريقية والرومانية، وبجانب الإيمان بتعدد الآلهة آمن الأمازيغ بالديانات الإبراهيمية.
الأمازيغ والموت
يمكن التمييز بين ظاهرتين ترتبطان بالطقوس الدينية المرتبطة بالموت عند الامازيغ، فقداهتم الأمازيغ بجانب الطقوس الدفنية ايضا ببناء الأضرحة والقبور، كما قدسوا أسلافهم وملوكهم.
الطقوس الدفنية
كان أسلاف الأمازيغ يدفنون موتاهم في شكل جانبي مثنيا وفي احيان اخرى في شكل جنبني. وكانوا يصبغون جثث موتاهم بالطين الاحمر او الاوكر وكانت هذه العادة قفصية أكثر مما كانت ايبيروا-مورسية، وكلاهما يعتبران اسلافا للبربر. كشفت بعض المقابر القبل-تاريخية انه كانت توضع بعض الادوات مع الميت كالأسلحة والحلي وقشور بيض النعام، ربما ليستخدمها في العالم الآخر.
خلافا لآمازيغ الشمال أفريقي، قام الغوانش وهم سكان جزر الكناري الأصليين بتحنيط جثث موتاهم فكان البعض منها يجفف ويلف بجلد الماعز. اما في شمال أفريقيا، فقد عثر فاريزيو موري سنة 1958 عن مومياء ليبية قديمة اقدم من المومياءات المصرية.
تقديس الموتى
يعتبر مؤلفوا كتاب البربري الأنجليزي ان تقديس الموتى أحد أهم مميزات الأمازيغ في العصور القديمة. وبالفعل فهي ظاهرة قديمة في شمال أفريقيا غرب مصر، حيث كتب عنها بومبينوس أنه في أوجلة تعتبر أرواح الأسلاف بمثابة آلهة. اذ انهم يقسمون بها ويستشيرونها في أمورهم ثم ينامون ليتلقوا الأجابات في شكل أحلام.
لم يغفل هيرودت الذي يرجع الفضل أليه بامداد الكتب التاريخية بأخبار ليبيا القديمة، حيث يروي لنا في الكتاب الرابع في أطار الحديث عن قبيلة الناسمون ما يلي:
يقسمون برجال منهم عرف عنهم الورع والشجاعة في حياتهم، بعدما يضعون ايديهم على قبورهم. وهم يتعبدون بزيارة القبور التلية لأسلافهم، ويستلقون فوقها بعد الصلاة. ويتقبلون كل ما سيرونه في منامهم.
إلى يومنا هذا لايزال البربر يقدسون قبور الأولياء في شمال أفريقيا خاصة في المغرب، البلد الذي يسمى أحيانا ببلد ألف ضريح وضريح، بحيث انه لا تكاد تخلو أي قرية من ضريح يقدسه سكانها حتى بعض المدن سميت نسبة أليها كالمدن التي تبدأ باسم: "سيدي ...". ويعرف الولي أو القديس عند الأمازيغ في ايامنا باسم: "أمرابض" وهو الأسم الذي حوره الغرب في لغاتهم ألى: "مرابوط" (Marabout).
إلى جانب تقديس الأولياء عبد الأمازيغ ملوكهم ولربما اعتبروهم انصاف آلهة (Demi-gods)، كما كانت الأضرحة الملكية أبرز المعالم المعمارية التي خلفها الأمازيغ القدماء.
قبور الامازيغ القدماء
يتضح من خلال التنقيبات الاركيولوجية المرتبطة بالقبور القبل تاريخية في شمال أفريقيا ان اسلاف البربر قد آمنوا بحياة اخرى قبل الموت. كان الانسان الشمال أفريقي يدفن موتاه في حفر صغيرة، غير انه ادرك في ما بعد ان تلك الجثث تصبح هدفا للحيوانات المفترسة وليتفادى ذلك قام بدفنها في حفر اعمق كما قام بدفنها في الصخور والقبور الدائرية وفي قبور تشبه التلال كما هو الشأن في قبر تين حينان. إلى جانب ذلك كان اسلاف البربر يدفنون موتاهم في قبور هرمية وهو تقليد قديم يعتقد الاستاذ شفيق انه يسبق تقليد الاهرامات في مصر. عرفت تلك القبور تطورات عدة بحيث اصبحت الأضرحة الملكية تتميز بالضخامة وشكلها الجميل، وهو ما يتجلى في الهرم النوميدي الذي بلغ ارتفاعه تسعة عشر مترا وكذا الضريح الموريطاني الذي بلغ ارتفاعه ثلاثين مترا، والهرم الأخير يعف باسم قبر النصرانية او الرومية.
الشمس والقمر
يعرف القمر باسم "ايور" في اللغة الأمازيغية، والاسم نفسه كان يشير إلى الرب القمر لدى الأمازيغ كما اوضح كامبس. وعبادة القمر عموما تضرب في القدم فكما أكدها ابن خلدون، نجد ان المؤرخ اليوناني هيرودوت قد سجل ان الليبيون القدماء على اختلافهم كانوا يقدمون القرابين للشمس والقمر حيث قال:
يبدأون بقطع اذن الضحية ويلقونها على منازلهم ثم يقتلونها بلي عنقها. يتقربون بها إلى الشمس والقمر، ولكن ليس لأي الآه آخر، وهي طقوس معروفة عند كل لليبيين.
اما في القرن الأول قبل الميلاد فقد أشار شيشرون إلى تقديس الملك النوميدي ماسينيسا للشمس، حيث قال نقلا عن سيبيو افريكانوس: "حين قدمت اليه، عانقني الشيخ - يقصد ماسينيسا - بعيون دامعة، ثم نظر إلى السماء قائلا:
اشكرك ايتها الشمس العظيمة كما اشكرك ايتها الكائنات السماوية لاستقبالي سيبيو في حياتي ومملكتي وقصري.
إلى جانب هذه الروايات التاريخية، تم العثور على نقوش باللغة اللاتينية تحمل معنى "الشمس العظيمة"، ومن امثلتها عبارة Solo Deo Invicto التي عثر عليها في سوق احراس بالجزائر الحالية. وفي التراث المسيحي المصري نجد أن عبدة الشمس من الأمازيغ قد حاولوا اجبار الأنبا صمويل على تعظيم الشمس.
بالاضافة إلى ذلك، يعتقد ثور هايردال ان الأهرام الكنارية قد شيدت تعظيما للشمس، ويعتقد ان هذه العبادة قد نقلها عبدة الشمس من الأمازيغ من البحر الأبيض المتوسط إلى القارة الأمريكية مرورا بجزر الكناري.
عبد الغوانش الآها يسمى "أشمان"، وكانوا يقدمون له الأضحيات والخمور تقربا الية، وكان تجسيده يشبه الشمس. وفي لاس بالماس أحد جزر الكناري عبد الغوانش الآها شمسيا وكانوا يسمونه "ماجك" و"آمن" وهو اسم قد يعني "الرب"، ففي احدى لهجات الطوارق تشير كلمة "امناي" إلى اسم الله.
كان الأمازيغ يعبدون الشمس وهي تغرب وهو ما كان متجسدا في الآلهة آمون والممثل بقرني الكبش. وإلى جانب الشمس والقمر عبد الأمازيغ الكهوف والجبال والوديان والحجارة.
الصخور الضخمة أو الميغاليث
كانت الحجارة مقدسة في نظر العديد من الشعوب الماقبل تاريخية، ولربما اعتبروها بيوتا للآلهة، وكانت هذه العبادة منتشرة بين الأمازيغ، وهو ما سجله بعض الكتاب الأفارقة الذين كتبوا باللاتينية، بحيث أشار كل من "أفولاي" صاحب رواية الحمار الذهبي وكذا القديس "أوغسطين" أن الأمازيغ كانوا يقدسون الحجارة.
توجد بافريقيا الشمالية مواقع لما يعرف بالميغاليث وهي حجارة ضخمة موضعتها شعوب ما قبل تاريخية، ويعتقد أن بعضها من أصل فينيقي. ويعد موقع مزورة على بعد كيلوميترات من طنجة أشهر المعالم الميغاليثية في شمال أفريقيا وهو موقع لم يحضى باهتمام علمي كبير وعموما فأن الموقع عبارة عن حلقة من الأحجارة الضخمة نوعا ما ويبلغ أطولها خمسة أمتار، والموقع يعود حسب الأسطورة إلى ضريح بطل أمازيغي ميثولوجي قضى عليه هرقل ويسمى آنتايوس بحسب الصيغة الأغريقية. أما من الناحية الفعلية، فأن الموقع محاط بعدة استفهامات وتخمينات ولربما كان قبرا لشخصية قديمة مهمة كما يمكن أن يربط بتقليد عبادة الشمس حسب بعض الآراء.
الديانة المصرية الأمازيغية
المصريون القدماء هم أقدم جيران الأمازيغ، وهم اقربهم عقائديا اليها. تضرب جذور العلاقات المصرية الأمازيغية في اعماق التاريخ، وقد اشارت اقدم كتابة مصرية إلى احدى قبائل البربر القديمة وهي التحنو. أكثر من ذلك يميل بعض المؤرخين إلى جعل اصل صحراوي قبل تاريخي مشترك بينهما، ومن ثم كان تشابك المعتقدات المصرية والامازيغية في حالات مختلفة.
آلهة مصرية
يعد كل من الألهين أزيس وأوزيريس ابرز الآلهة المصرية القديمة التي اكتسحت معتقدات الأمازيغ الشرقيين، وهو ما سجله هيرودوت قائلا:
على الرغم من أن هذه القبائل الليبية لا تعرف طعم لحم البقر، فأنها تمتنع عن أكله كالمصريين للسبب نفسه، وكلاهما لا يربون الخنازير. حتى في قورينا تعتقد النساء انه من الأثم أكل لحم البقر، وهم بذلك يعظمون الربة المصرية أيزيس، حيث ان كلا من الشعبين يتقربان اليها بالصيام والاحتفالات. اما النساء البرقيات فهن لا تمتنعن عن أكل لحوم البقر فقط، وأنما تمتنعن أيضا عن أكل لحوم الخنازير.
يبدو ان هذه القبائل قد امتنعت عن أكل لحوم الخنزير لأنه كان حيوان ست المقدس، فيما امتنعوا عن أكل لحوم البقر لكون البقرة حيوان أيزيس المقدس، حسبما يرى المؤرخ الليبي محمد مصطفى بازمة. كان أوزيريس من ضمن الآلهة المصرية التي عبدها الأمازيغ كما أن مكانا على الأقل ذكره هيرودوت كا يحمل اسم "أزيريس". لكن على الرغم من ذلك يعتقد بيدج (وقلة أخرى من المتخصصين) أن أوزيريس كان معبودا من أصل ليبي، قائلا: "أن كل النصوص التي أشارت أليه خلال كل الفترات كانت تصب في اتجاه كونه ألاها أصيلا في شرق شمال أفريقيا وأن موطنه الأصلي قد يكون ليبيا".
آلهة ليبية
اشار المصريون القدماء إلى بعض من آلهتهم على اعتبارها ليبية جاءت من شمال أفريقيا غرب مصر كما تصورا بعضها حاكمة لتلك المنطقة. من ابرز تلك المعبودات نجد الربة نايت، وهي ربة بارزة في المعتقدات المصرية اعتبرها المصريون ربة ليبية استقرت في النيل غرب الدلتا. و كان الليبيون القدماء يتزينون بوضع وشم لها على اجسادهم.
يلاحظ ايضا ان بعضا من الآلهة المصرية القديمة قد جسدت بريشتين كالربة أمنت. والريشتين هما عادة ليبية استخدمها الأمازيغ في تزيين شعرهم كما كانت تشير إلى الدرجة الاجتماعية العالية كما صورتهم ريشة أحد الرسامين المصريين. اضافة ألى ذلك كان رمز الريشة يعني الغرب اي بلاد الأمازيغ في الكتابة الهيروغليفية كان الغرب يسمى "أمنت" في اللغة المصرية القديمة وهو ما يمكن ربطة باسم احدى الربات المصريات هي امن أو أمنتت.