كثر اللغط والقيل والقال، حول مراسيم الاحتفال بمرور
12 قرنا على تأسيس المملكة، وتعالت الأصوات المنددة "على قلتها" بالتزوير الممنهج الذي يطال تاريخ المغرب "تمازغا الغربية". حيث تم تسخير الأموال الطائلة والآلات الدعائية النافذة لبلوغ هذا المرام...مرام جوبه بردود أفعال معارضة لهكذا تدليس، تمتح "وللأسف"من معين سريع النضوب. يجد منطلقه من إحساس بالغبن والاحتقار يعمي البصيرة ويشتت الجهود، ويجعلها عاطفية فاقدة للمعنى كصرخة في واد. عوض التأسيس لنقاش علمي يقارع الحجة بالحجة، ويفند إدعاءات المغرضين ويجعل الرأي العام على بينة من أمره.
مرادنا من هذه الأسطر، تبيان أوجه التزييف والتزوير اللذان تسلحت بهما جمعية 12 قرنا من تأسيس المملكة، واللذان استخدمتهما لتزييف تاريخ شعب بأكمله، وقلب حقائقه السياسية وحتى "الهوياتية". دونما أدنى إحساس بالذنب، أو مراعاة لمشاعر الغالبية العظمى من المغاربة.
1- الملكية بالمغرب: إدريسية المنشأ، أم أمازيغية المبدأ؟تروج "جمعية المغرب 12 قرنا من تأسيس المملكة" لفكر" بل وعي" مفاده، أن إدريس الأكبر هو واضع لبنة الملكية بالمغرب، وذلك بتأسيسه ل"مملكة" الأدارسة، وسنحاول مناقشة هذا المعطى"المستجد"، انطلاقا من قرائن تاريخية ضاحدة "ورادعة"، علها تضع المتلقي في الصورة الحقيقية لتاريخه المراد تزييفه.
من المعروف تاريخيا، أن المولى إدريس هرب من وقعة فخ بالحجاز(إن سلمنا جدلا بهذه الرواية)، والتي انهزم فيها آل البيت المطالبين بالإطاحة بحكم العباسيين. ولجأ في قصة يطول شرحها بقبائل إوريبن، والتي استضافته وولته أميرا عليها. لكن سرعان ما تم اغتياله، ليتم انتظار عقبه الذي طال وقت مولده أكثر من سنة !؟ ... لكن سرعان ما تفتت حكمه وتجزأ رغم صغره(المجال المحكوم) بين أولاده...
وقد عايشت الإمارة الإدريسية الضعيفة ممالك وإمارات في غاية المنعة، منها مملكة البرغواطيين، والتي سبقتها إلى الوجود بأمد، وكذلك إمارة النكور وسجلماسة....ولم يكتب للإدارسة الاستمرار سوى 130 سنة.
لكن مرادنا ليس استقصاء تاريخ هذه الإمارة، أو الحديث عن الإشكالات التي صاحبت تكوينها
نظرية المجئ من الشرق، للاكنزة وأدوارها، المولى الراشد وأصوله، الأصول الامازيغية لإدريس الأكبر نفسه و مغتاله الشماخ) بل الوقوف عند ذكر بعض الممالك الأمازيغية الموغلة في القدم وتبيان عراقة نظام tagelda، وكذا نفي صفة الملكية عن الإمارة الإدريسية.
تجمع المصادر التاريخية على عراقة النظام الملكي بالمغرب، حيث يتعدى عمره 33 قرنا !، ويعود ذكر مصطلح أكليد في بعض المصادر إلى 500 سنة قبل الميلاد. وقد اشتهر العديد من ملوك الأمازيغ العائدة فترة حكمهم إلى ما قبل التاريخ، منهم: أنتايوس الذي ذكره اللاتينيون و اليونان في مصادرهم، وbaga ويوكرتن ويوبا وبطليموس..
أما المصادر القديمة التي تشير إلى قوة النظام الملكي بالمغرب فمتعددة، منها: إلياذة فريجيل،وكتاب"التواريخ" لهيرودوت، وكتاب "الجغرافيا" لسطرابون...
إذن يتضح أن المغرب في كينونته السياسية الملكية امتد ل33 قرنا، ولا يحق بحال من الأحوال، جعل إمارة صغيرة حديثة المنشأ"بالزمن التاريخي"، محاصرة بإمارات وممالك أشد قوة، لم يطلق على أمير من أمرائها في المصادر التاريخية اسم "ملك"، مبدأ للنظام الملكي بالمغرب. ففي هذا استخفاف بالعقول وطمس للحقائق، وأي جريمة أفظع من تزوير ذاكرة شعب برمته.
2- فاس: بين الخرافة الأسطورية والحقيقة الأركيولوجيةلا يزال دعاة الأسطورة داخل الجمعية ذاتها يروجون لأراجيفهم، علها تنطلي على العامي البسيط غير المطلع على الحقائق. منها مسألة بناء فاس من طرف إدريس الثاني سنة 208 هـ، والتي شكلت أحد دعائم مشروعهم المقيت. لكن المطلع على المعطيات التاريخية يدرك من أول وهلة بطلان هذا الإدعاء، خصوصا الأثرية مهنا. فالعديد من اللقى التاريخية المكتشفة بفاس الحالية وأحوازها تؤرخ بما بين 1800 و3000 سنة قبل الميلاد، أي ما يعرف بالعصر الحجري النحاسي.
ولقد تم اكتشاف هذه اللقى بمواقع و مغارات عديدة، من بينها: مغارة عين السمن...زد على ذلك كون الموقع الحالي لمدينة فاس كانت به مدينة أمازيغية قديمة تسمى تودا، طمست أثارها واندثرت معالمها.
هذه الحقائق تفضي بنا لطرح سؤال مشروع، عن جدوى الاحتفال بهذه المدينة دون غيرها، مع وجود عشرات المدن تضاهيها عمرا بآلاف السنين ! إن سلمنا جدلا بأن فاس لها من العمر 12 قرنا فقط.
فكما هو معروف تاريخيا، شكل القرن 5 قبل الميلاد أوج ظاهرة التمدن بالمغرب، فخلاله عرفت العديد من الحواضر الأمازيغية،كتطاوين وليكسوس وشالة وتاموسيدا والقصرالكبير وأزيلا ووليلي...
فمتى ياترى يتم نفض الغبار عن تاريخ هذه المدن وإعادة الاعتبار لها، ومتى على سبيل المثال سيحتفل ب 28 قرنا على تأسيس تينكي(طنجة)، مجرد سؤال لمن يهمه الأمر.
أكـــــــــــــذوبة 12 قرنا من تأسيس الــــــمملكة