2- ترنتيوس أو ترينيس آفر:
ولد ترينيس آفر في مدينة قرطاج التونسية سنة 184م، وهو من أهم كتاب المسرح في الثقافة الأمازيغية القديمة وتوفي سنة 159م. وأخذ أسيرا في الحرب البونيقية الثانية التي خاضتها روما ضد قرطاجنة التي انتهت بهزيمة تونس وإخضاع شمال أفريقيا كله للسيطرة الرومانية البشعة. وقد اختار أحد أعضاء مجلس الشيوخ الروماني هذا الغلام خادما له وأعطاه نسبه " ترنتيوس لوكانوس"، وعاش في وسط طبقي اجتماعي أرستقراطي، أما كلمة آفر فتحيل على أصله الإفريقي. ويبدو أن سيده قد توسم فيه خيرا فعلمه وأحسن تربيته ثم أعتقه إلى أن مات ترنيوس في سن الخامسة والثلاثين وهذا ما أجمعت عليه معظم الروايات، بيد أن سويتونيوس يقول إنه مات في سن الخامسة والعشرين. وعلى أي حال، فإن الروايات التي تتحدث عن حياة ترنتيوس الفنية غير محققة ولا موثقة ومن ثم فليست صادقة تماما. أما بالنسبة لحياة ترنتيوس الفنية فقد وصلنا أفضل مصدر وأوثقه ألا وهو مسرحياته الست بمقدماتها التي رد فيها على نقاده."
هذا، وقد تبحر ترنتيوس في العلوم والفنون والآداب، وأصبح فريد زمانه وكاتبا مسرحيا كبيرا مازالت آثار أعماله راسخة في الريبرتوار الروماني واللاتيني والغربي، وعرف كذلك بكونه شاعرا كوميديا هزليا.
ومن جهة أخرى، فقد أتقن ترنتيوس اللغتين اليونانية واللاتينية علاوة على لغته الأمازيغية التي لم يفرط فيها قيد أنملة. وألف الكثير من المسرحيات ولم يبق منها إلا ستة أعمال فقط. وفي كل سنة كان يطلع على الجمهور بنص مسرحي ما بين 166 و160 قبل الميلاد. و طارت شهرته الكبيرة " دفعة واحدة، ونال الجوائز، فحسده الحساد واتهموه بالسرقة الأدبية، فدافع عن نفسه بما كان له من قوة. فأنصفه التاريخ من بعد، ورد إليه نقاد العصور المتعاقبة اعتباره كاملا وبينوا أن تأثيره في الأدب المسرحي بقي ظاهرا إلى حدود القرن السابع عشر... وهو صاحب القولة المشهورة " أنا إنسان؛ لا يخفى عني أي شيء مما هو إنساني!". ومن إفراطه في حب الأدب أنه مات حزنا بأرض اليونان، بعد أن ضيع في البحر مخطوطات له، وهو ابن الثلاثين" ، أو الخامسة والثلاثين.
ومن مسرحياته الست المشهورة : "فتاة أندروس"، و"الحماة"، و"المعذب نفسه"، و"الخصي"، و"فورميو"، و"الأخوان".
خاتمــــة:
ويتبين لنا مما سلف ذكره أن الأمازيغيين عرفوا المسرح بنية وفرجة واستعراضا. وأنهم شيدوا الكثير من المسارح وحلبات التمثيل ومعاهد تعليم المسرح في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب. وقد تأثر المعمار المسرحي الأمازيغي بالمعمار المسرحي اليوناني النصف الدائري المفتوح القائم على بناء المدرجات المحيطة بدائرة العروض الدرامية، والمعمار الروماني الفخم الشاهق الدائري الذي يشبه حلبات المصارعة والسيرك.
وقد بينا كذلك أن عروض المسرح كانت تقدم إما باللغة اللاتينية وإما باللغة الأمازيغية المحلية على الرغم من سياسة" الرومنة" المتبعة من قبل الرومان، و اللجوء إلى التزييف اللاتيني المتعمد لكل نشاط ثقافي أمازيغي يقدم باللغات المحلية . وقد لاحظنا اهتمام الجمهور الامازيغي القديم بالمسرح وإعجابه الشديد به، والإقبال عليه بكل شوق وتلهف لانظير لهما.
بيد أن هذا الاهتمام الكبير بالمسرح سيتراجع مع الفتوحات الإسلامية وانشغال الأمازيغيين المتدينين بالعقيدة الجديدة، والابتعاد عن كل ما يتنافي في رأيهم مع الإسلام الذي حرم التصوير والرسم وما يتعلق به كالتمثيل والرقص الماجن وكل ما يخدش الأخلاق الإسلامية الصحيحة.
ونسجل ملاحظة أخيرة ، وهي أن المسرح الأمازيغي سبق المسرح العربي بأمد طويل، وأن هذا المسرح موجود وله خصوصياته الدلالية والفنية والجمالية. فلا يعقل أن يأتي اليوم دارس من الدارسين للمسرح المغربي أو العربي لينكر المسرح الأمازيغي جملة وتفصيلا ويشرّحه بلغة التجريح والنفي والإقصاء والتقزيم والتهميش.
.
www.jamilhamdaoui.net