كرونولوجيا عداء حزب الاستقلال للأمازيغ و الأمازيغية مؤسس وزعيم سابق لحزب الاستقلال
يكاد يجمع، أو بالأحرى يجمع كل الباحثين و العارفين بشؤون و خبايا حزب "الاستقلال"، على أن هذا الأخير كان و لا يزال يعتبر عن حق، العدو رقم واحد للأمازيغ و الأمازيغية في المغرب، بل إن أحد هؤلاء الباحثين أحالني على ضرورة الإطلاع على بعض كلمات من نشيد عروبي عنصري – كان لحزب الاستقلال يده الطولى في تأليفه، بل وحتى في إرغام المعلمين و المتعلمين على يدهم في ترديده كل وقت و حين، كي تشل ذاكرة الامازيغ التاريخية، وتلغى ثقافتهم الحضارية- لمعرفة مدى الحقد الدفين الذي يكنه حزب علال الفاسي لكل ما هو أمازيغي. وتقول كلمات هذا النشيد: "بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغداد، ومن نجد إلى يمن، ومن مصر فتطوان"، وبهذا النشيد ومثله بالمئات، يكون حزب الاستقلال قد ظل وفيا لإيديولوجياه الأورثودوكسية المتقادمة، المبنية على ثنائية العروبة و الإسلام، إذ بها يقتات و على حسابها ينتفخ.
وحقيقة الأمر، إن سياق هذا الحديث جاء بمناسبة –ويا لها من مناسبة سيئة الذكر- تقديم بعض مستشاري حزب الاستقلال في الآونة الأخيرة، باقتراح مشروع يهدف حسب ما ادعوه إلى تعريب الإدارة و الحياة العامة، وهو المشروع الذي سبق أن تقدموا به سنة 1998، وتم رفضه من قبل البرلمان، مشروع قال أصحابه في شأنه، انه لا يهدف إلى أكثر من فرض استعمال اللغة العربية كلغة وحيدة في الإدارة بدلا عن اللغة الفرنسية الأجنبية، وهو تأويل بقدر ما ينم عن سذاجة مهندسيه وسخفهم، فإنه يكرس تلك العقدة الأزلية للحزب المشؤوم من الأمازيغية، إذ أن المقترح واضح وضوح الشمس في النهار من كونه جاء ليفرض استعمال اللغة العربية كلغة وحيدة دون غيرها في الإدارة و الحياة العامة و الشارع، وهو يتعدى موضوع المراسلات الإدارية إلى فرض العربية، وكذا الحرف العربي في كتابة اللافتات و الملصقات و الإعلانات التجارية، والأدهى في كل هذا، أن المقترح يهدف إلى فرض الغرامات الزجرية على كل من استعمل لغة غير عربية قد تصل إلى مليون سنتيم مع إمكانية مضاعفة المبلغ في حالة العود أو تكرار "الجرم".. يا لها من ديمقراطية آخر طراز ...!
وإذا ما أردنا التطرق للموضوع و التأطير له كرونولوجيا، ولو بشكل مختصر و مركز، سيتبين أن مقترح مشروع الفريق الاستقلالي الذي تقدموا به إلى الغرفة الثانية ل"البرلمان" المغربي، ما هي إلا حلقة أخيرة لمسلسل من البغض و الحقد تجاه كل ما له بعد أمازيغي، بدأ حسب العديد من المهتمين أيام تلك الأكذوبة السياسية التي أطلق عليها "الظهير البربري" وما صاحبها من توظيف انتهازي، و استغلال سياسوي للحدث، إذ بعيد هذا الظهير بقليل، وتحديدا، في شهر غشت من عام 1930، عقد اجتماع بمدينة تطوان بين "مبدع" شعار القومية العربية شكيب أرسلان مع عدد من النشطاء "الوطنيين"، حيث خرجت الأطراف متفقة على حقيقة مؤلمة، مفادها انخراط المغرب بشكل أعمى في جوقة الإيديولوجية العربية الإسلامية رغم أنف التاريخ و الجغرافية و الأنتروبولوجية.
وأمام هذا الوضع الجديد، كان بديهيا أن تطفو على السطح مواقف و آراء تفنن أصحابها في ازدراء الامازيغية وتحقيرها، وهنا ندرج ما صرح به محمد حسن الوزاني زعيم حزب الشورى و الاستقلال آنذاك حول الامازيغية، إذ قال: "إنها لهجة رعاة، وقوم سذج، لا لهجة تحرر يتداولها أناس صقلهم العلم، وهذبهم الرقي، وطبعتهم المدينة كما هو الشأن للناطقين بالعربية"، و في نفس الإطار تم استهداف أبطال المقاومة الحقيقيين، و محاولة التقليل من شأنهم، بل وحتى النيل من عرقهم و نسبهم، تماما كالذي جاء في مقالة بجريدة حزب الاستقلال في عددها 20003 ، إذ من خلالها يبرز كاتب المقالة أن الزعيم العالمي عبد الكريم الخطابي من أصول عربية، ونفس الأمر يسري على الشريف أمزيان ( الذي ربما يبدوا الأوفر حظا) حيث ينتمي إلى أهل البيت.
وبين هذا و ذاك فالحزب الفاسي متورط في أحداث تاريخية فظيعة، إذ تقع على عاتقه المسؤولية المباشرة في جريمة اغتيال عباس لمساعدي في فاس سنة 1956، كما أنه متهم بقمع انتفاضة الريف مستعينا في ذلك بالجيش الفرنسي عامي 59-1958، التي قادها سلام أمزيان ضد التهميش و الإقصاء، وسياسة تزوير الحقائق و الوقائع. هذا و لا يفوتنا التذكير أن حزب الاستقلال ناهض تأسيس الحركة الشعبية التي حملت في البداية لواء الدفاع عن البادية و الامازيغية، كما أن للحزب موقف سلبي من إعادة رفات الأمير عبد الكريم من مقبرة الشهداء بالقاهرة...
ويؤكد العديد من الفاعلين داخل الحركة الامازيغية، أن حزب الاستقلال الذي يحكم المغرب في السر و العلن، و يوجه سياسة الدولة بلوبيات عائلية تحكمت في كل شاردة وواردة في دواليب الدولة، لا يجد بدا في المجاهرة بموقفه العدائي اتجاه الامازيغية، وقد سبق لعلال الفاسي الأب الروحي للحزب، أن أكد في إحدى محاضراته على أن العربية ستبقى لغة الاتصال بين جميع فئات المجتمع المغربي، كما أن كتابات إن لم نقل تفاهات عبد الكريم غلاب، التي ينظر إليها من داخل هذا الحزب على أنها مسلمات، غالبا ما تشكل أساس أطروحات الموقف الرسمي لحزب الاستقلال، نظرا لمكانة الرجل داخل الحزب، وهذه التفاهات التي تحرص جريدة العلم إلى جانب منابر إعلامية عروبية أخرى، على نشرها بين الفينة و الأخرى، دائما ما تنفي الطابع الامازيغي للمغرب، و بالتالي فلا مجال -حتى على سبيل التخيل- لأي اعتراف بالحقوق الثقافية و اللغوية و السياسية للامازيغ، إذ من شان هذا الاعتراف أن يشتت الأمة ويفرقها (هكذا يفكرون، ويا ليتهم ما فكروا).
في العقدين الأخيرين، كشر حزب "ميزان السيئات" أنيابه، على كل ذي صلة بالامازيغية، وهكذا عبر عن موقف سلبي من معهد الدراسات و الأبحاث في اللغة الامازيغية، الذي تم التصويت عليه عام 1979 دون أن يرى النور، وكان له نفس الموقف من اللجنة الوطنية للحفاظ على الفنون الشعبية التي تم إحداثها في أكتوبر 1980، وفي تعد سافر لحدود صلاحياتها، تخرج جريدة العلم -لسان حال الحزب- عن صمتها، وتقوم بدور المدعي العام فتطلب من وزير الداخلية سنة 1982 اعتقال المفكر الراحل علي صدقي أزايكو، وزجه في السجن، لا لشيء سوى أنه كتب مقالا مشهورا تحت عنوان:"في سبيل مفهوم حقيقي لثقافتنا الوطنية".
وتشير الأرقام و الإحصائيات على أن الفترة الممتدة بين عامي 1978-98، وهي الفترة التي استحوذ فيها حزب الاستقلال على حقيبة وزارة التعليم، شهدت فشلا ذريعا لمنظومة التعليم بالمغرب، وتم عرقلة تنفيذ قرار الحسن الثاني بتدريس اللغة الامازيغية، الذي أعلن عنه في خطاب 20غشت 1994، وكذا إغلاق كوليج أزرو ومنع تدريس اللغة الامازيغية بباقي المدارس الأخرى.
وستستمر سياسة الشد والجذب بين حزب الاستقلال والامازيغ، حتى تنفجر قنبلة شركة النجاة وتحدث دويا لم يعهده المغاربة قط، إذ أن عباس الفاسي وزير التشغيل آنذاك، ورئيس حكومة حالي -محل سخط أزيد من80% من الشعب المغربي- استغل مشاعر البؤساء والفقراء من عموم الشعب، لأغراض انتخابوية وسياسوية، وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع متابعة ومحاسبة عباس الفاسي عن مساهمته الغير المباشر في انتحار أربعة أفراد من ضحايا شركة النجاة، والإضرار بالآلاف منهم ماديا ومعنويا، سيجد الشعب المغربي نفسه مجددا أمام استفزاز أخر من الشخص ذاته ، إذ صرح سنة 1998 في برنامج حوار، الذي تبثه القناة الأولى بكون حزب الاستقلال لا يقبل أن تدمج الامازيغية في المدرسة الوطنية، حفاظا على وحدتها، ويضيف أن مطلب ترسيم الامازيغية مطلب غير واقعي، لأن دسترتها ستطرح إشكالا، حيث ستضطر الدولة إلى اعتماد ازدواجية اللغة بشكل رسمي، ومن يطالب بترسيم الامازيغية إنما يسيسها، ويطالب بشيء مستحيل. ولم يكتف عباس، الإبن الروحي لعلال الفاسي، بهذا القدر من العداء اتجاه الامازيغية، بل عبر خلال مداخلته في الدورة التاسعة للجامعة الصيفية المنظمة من قبل شبيبة حزبه ببوزنيقة، على أن حزب الاستقلال سيكافح لكي لا تكون الامازيغية لغة رسمية، هذا التصريح بالذات كان محط استنكار وشجب شديدين من لدن الفعاليات الامازيغية و الديمقراطية في البلاد، بل إن بعضهم كرشيد راخا وأحمد الدغرني مثلا، لا زالا يمنيا النفس في رؤية عباس الفاسي وزبانيته بين أسوار المحاكم.
وأخيرا، و ليس آخرا، لا بأس من تذكير حزب الاستقلال، وكل الإطارات و الأشخاص الذين يدورون في فلكه، أنه مهما حاول استعداء الامازيغية و الاستهتار بحقوقها الشرعية، فإن إيمازيغن على مر التاريخ، ورغم كونهم استقبلوا حضارات مختلفة، فقد احتفظوا دائما بهويتهم الأصلية، إن الحضارات المتتالية القادمة من خارج شمال إفريقيا، كانت بالنسبة للأمازيغ عبارة عن ألبسة يضيف بعضها إلى بعض، ويبقى جسده داخلها كما هو لا يتغير.