معركة بوكافر من الملاحم التي خلدها رجال لايخشون الموت لم يكن غرضهم الاستيلاء علي المناصب بل بالعكس الدفاع عن الوطن والجهاد في سبيل الله.وقعت تلك المعركة في سنة 1933 بقيادة البطل المقاوم عسو وباسلام ومجموعة من المواطنين اللذين ذهبوا بارواحهم من اجل طرد المستعمر .فقد قتل عدد كبير في صفوف المستعمر الغاشم وكذا من ابطالنا
بوكافر اسم لقمة من قمم جبل صاغرو ، هذه القمة التي تبعد عن مدينة ورزازات بحوالي 200كلم ، وتبلغ قمته حوالي 2275. لقد اختار العطاويون هذا المكان نظرا لأهميته الإستراتيجية العسكرية ومناعته وحصانته وصعوبته ، فمنطقة صاغرو منطقة وعرة المسالك تضاريسها مرتفعة وتتميز بمغاور عميقة ومياه منحدرة
لقد مرت معركة بوكافر بثلاث مراحل تاريخية مهمة : الأولى في يناير 1933 وتميزت هذه المرحلة بالنهج الذي سلكه العطاويون في مواجهة المستعمر هو حرب العصابات بزعامة البطل التاريخي عسو او بسلام وذلك عن طريق الهجوم المباغت واقتحام مواقع القوات الفرنسية ومراكز الضباط وقطع طرق التموين على الجنود الفرنسيين . وهذه قولة احد قادة الجيش الفرنسي تقربنا شيئا ما من أهمية هذه المرحلة ومدى تأثيرها على الجيش الفرنسي ، يقول جون ديسم أن عسو او بسلام وأتباعه لم يتوقفوا عن مهاجمتنا ، ففي شهر يناير 1933 وحده ، فقدنا نتيجة هذه الهجومات أربعة من أحسن ضباتنا بالإضافة إلى الجنود ومئات الجرحى والمعطوبين وسيطرة المهاجمين على غنائم هامة ، منها بهائم محملة بالأسلحة والمواد الغدائية ...
أما المرحلة الثانية فهي تمتد من 12 فبراير إلى فاتح مارس 1933 وأثناءها حشد المستعمرون تحث قيادة الجنرال كاترو حركات تودغى ودادس ودرعة والحركة الاحتياطية من الجهة الغربية فيما حشد الجنرال جيرو من الجهة الشرقية حركتي الريف وزيز ، وقد تميزت هذه المرحلة بكونها عرفت مجموعة من المعارك الصغيرة القوية ومن أهمها نجد : معركة سيدي فلاح ، ومعركة تيزي تندات ، او ملال ثم اقا ن أوليلي ... الى غير ذلك من المعارك العديدة التي اتسعت رقعتها .
أما المرحلة الثالثة والأخيرة والحاسمة فامتدت من فاتح مارس أي نهاية المرحلة الثانية الى 21 مارس نفس السنة (1933) وتتميز هذه المرحلة بالفشل الذي واجهته الجيوش الاستعمارية التي عمدت إلى أساليب الإبادة الوحشية وذلك عن طريق الحصار المطبق والمؤدي إلى الجوع والعطش والفتك بالماشية والتي كانت المصدر الأساسي لعيش السكان. والأمر الخطير في سياسة المستعمر يتجلى أساسا في قنبلة عيون المياه ، وهذا كله أذى بالعطاويين الى الصعود إلى قمم جبل صاغرو من اجل كسب الانتصار وجعل المستعمر حائرا أمام الوضع وبالفعل تمكن المجاهدون من قتل احد القادة الكبار من الجانب الفرنسي وهو الجنرال بورنازيل الى جانب عدد كبير من الضباط والجنود وهذا كله أدى بالجيش الفرنسي إلى استعمال أسلحة متطورة وخاصة الطائرات من اجل قنبلة مواقع القبائل العطاوية ، ولقد دام هذا الحصار مدة 22 يوما وخرج أخيرا إلى عقد هدنة مع هذه القبائل وفتح باب المفاوضات . وفعلا تمت هناك هدنة بين قبائل أيت عطا ومجموعة من جنيرالات الفرنسيين المقيمين بالمنطقة وقد تقدم عسو او بسلام على راس وفد قبائل أيت عطا .
وقد اشتملت هذه الهدنة بنودا هامة ودالة ولها معاني كثيرة ونجد من ابرزها ان قبائل أيت عطا لا يحكمها إلا احد أبنائها وبطبيعة الحال الشيخ عسو او بسلام من إلمشان والذي عين كامغار على هذه القبائل .
وتجدر الإشارة إلى أن دور المرأة كان فعالا حيث ساهمت بشكل كبير في المعركة بجانب الرجل فهي شاركت بجميع أنواع الوسائل ومن أبرزها نجد ما عبر عنه الكولونيل ماجور سبيلمان في كتاب أيت عطا في الصحراء حيث قال بان زغاريدهن (تغراض) هو سلاح معنوي قوي الفعالية إذ يدفع الرجل العطاوي إلى المواجهة القوية .. انتهى كلام الكولونيل زيادة الى كونهن يتسللن الجبال لجلب المياه تحت نيران الرشاشات ويوزعن المؤن والدخيرة ويدحرجن على المهاجمين (الفرنسيين) أحجارا ضخمة تنشر الموت . كما لا يفوتني ذكر الأسلحة التي استعملتها قبائل أيت عطا لمواجهة المستعمر .. وإذا حاولنا مقارنتها مع أسلحة الجيش الفرنسي (44طائرة ومدافع ثقيلة مختلفة وأسلحة متطورة وفتاكة) نجد أن هذه الأخيرة تفوق بكثير من حيث الجودة أسلحة أبطال بوكافر وهذا طبيعي جدا .
ونستشف من خلال هذا كله وخاصة من خلال الصمود الذي دام مدة 75 يوما ، أن قبائل أيت عطا تتوفر على عزيمة تنبني على أهمية الحرية عندها ومن اجل الدفاع عن الوطن وعن الكرامة زيادة إلى الشجاعة والقدرة الفائقة التي تتوفر عليها هذه القبائل على مواجهة المستعمر رغم ما يتوفر عليه هذا الأخير من زاد . ولتبقى هذه المعركة رمزا تاريخيا ونموذجا رائعا للمغاربة وللامازيغ ومثالا فريدا في مقاومة الشعب المغربي للمستعمر الفرنسي .
وهكذا تنتهي معركة بوكافر بزعامة بطلها التاريخي عسو او بسلام رحمه الله ، هذا الزعيم الذي له ثقل كبير على تاريخ بلدنا العظيم .